كتبت أفنان أبو يحيى
في إضراب عام 2014، قاد المعلمون تحت جملة من المطالب تعليقًا للدوام تم إيقافه بعد 13 يوم نظرًا لوعود بالاصلاح شملت علاوة الخمسين بالمئة التي تدعّي الحكومة أنها لم تلتزم بإقرارها لعجز ميزانية الدولة، وتدعي نقابة المعلمين أن الحكومة حينها أكدت التزامها بالتطبيق خلال الخمس السنوات القادمة بإيعاز من مجلس النواب.
بحلول موعد الاستحقاق في عام 2019، نظمت النقابة اعتصامًا أمام رئاسة الوزراء- الدوار الرابع مطلع شهر أيلول للمطالبة بعلاوة الطبشورة -كما أطلق عليها- خرجت فيه أعداد مهولة من معلمي المناطق المختلفة للإحتجاج السلمي رغم أن الحكومة قامت بإغلاق طرق رئيسية ومنعت البعض من الوصول لمكان الاعتصام، وفي هذا تلميحًا لمستوى حرية التعبير الذي يتم منحه للمواطنين بغض النظر عن مهنهم والذي أصبحت الحكومة في صراع شائك معه خصوصا بعد اعتقالات الرأي الأخيرة.
هذا لا يعني أن الاعتصام كان خاليًا من اعتقالات المعلمين الذين تعرضوا أيضًا للغاز المسيل للدموع مما أثار حفيظة الشارع الأردني وربما انتقل بالمعضلة لمرحلة غير محمودة النتائج، لأن الصراع بدل من أن يتأصل حول محور المعلم في مسعاه لنيل العلاوة وبدعم شرائح المجتمع، تحول بين المعلم المحتج والأجهزة الأمنية ووصل به الحال لعقد المقارنات بين راتب المعلم وراتب الدركي، ومدة الاجازة التي يحظى بها كل منهما.
للأسف، بغض النظر عن ما اذا كان المشهد قد توجه إلى هذا الحال أو قد تم توجيهه إليه، إلا أن الشارع الأردني قد استجاب لمبارزة المقارنات هذه واستلذ بها وظهر ذلك عبر حسابات الكترونية نجهل إن كانت حقيقية أو وهمية، لكنها جعلت المعلم في وقفة مع نفسه تذكره أنه في النهاية يحارب في مشكلته وحده.
لم يتوقف الأمر عند الغاز وما ترتب عليه، لأن المعلم أصبح في اتهامات بإغلاق الشوارع وتعطيل حركة السير وفي مواجهة جديدة مع أولياء الأمور الذين يرفضون انقطاع ابنائهم عن الدراسة والذين يؤكدون أنفسهم أن المعلم لا يقوم بذاك العمل المضني الذي يستجدي العلاوة، لكن في الجملة الأولى إقرار بدور ومسؤولية المعلم التي يجدر بالجميع حمايتها. وكان اختيار النقابة لموعد الاحتجاج ليكون في بداية العام الدراسي كوسيلة للضغط على الحكومة، لأن التوقع هو أن يعترض الآباء ضد سياسة الحكومة من أجل الاستجابة للمعلمين لا العكس.
هذا لا ينفي قيام مجموعة من أولياء الأمور بالتضامن مع المعلم لاسترداد حقوقه كاملةً، لكن الأجمل من ذلك كان تنديد بعض ملتحقي الاجهزة الأمنية باعتقال المعلم والاساءة إليه، وتضامن الطلاب مع معلميهم رغم ما قامت به بعض وسائل الإعلام وصحافة التابلويد من تمثيليات أو توريات لغوية لاستعراض الطلبة كضحايا لإعتصام ألقى بمستقبلهم في مهب الريح ولاستعراض المعلمين كفئة أنانية لا تأبه بمصلحة أبناء البلد.
وقد شجعت مطالبات المعلمين بعلاوتهم نقابات أخرى للمطالبة بعلاوات وعدوا بها سابقًا، مثل علاوة العشرة بالمئة لنقابة المهندسين، مما جعل الحكومة في موقف لا تحسد عليه ولا تعرف “من وين تلقاها”. المهم، لقد ذكّر اعتصام المعلمين الجميع بالوضع الذي يقبلون فيه وبأن الموت مع الجماعة ليس رحمة وأن يقولوا لا عندما تقدم جلسات الحوار أنصاف حلول أو مفاوضات مضحكة.
من أبرز مشاهد اعتصام المعلمين العالقة بالبال هي اسعاف أحد المعلمين لرجل أمن عام أغشي عليه نتيجة لضربة شمس، وقيام المعلمين بأداء الصلاة بشكل منظم وسط الاحتجاج، ومبادرات المعلمين المختلفة لصيانة مدارسهم أيام الاضراب، ومغادرتهم لأماكن الاعتصام بعد تنظيفها، ورغم حضارية الموقف إلا أن المخيف هو تعرض هذه المشاهد للسخرية من قبل الشعب الذي يشيد بها كنماذج مثالية عندما تحصل في دول أخرى، فهل أصبح الشارع العام يضلل بين مفهومي حرية التعبير والمعارضة لأجل المعارضة، وهل سيسوغ ذلك ممارسات الحكومة بتقييد الحريات؟
على أية حال، لقد قام مجموعة من معلمين المدارس الخاصة ومدارس وكالة الغوث الدولية بالمشاركة في الاعتصام أو بالمؤازرة الشعبية له حتى مع عدم شموليتهم كجزء من النقابة التي تستثنيهم رغم أنهم أفراد حاملين للجنسية الأردنية يعلّمون أفرادًا آخرين حاملين للجنسية الأردنية ومع عدم انتفاعهم المباشر من تحقق المطالب.
وحتى الآن، انطلاقًا من شرعية اضراب المعلمين وأحقيتهم بالحل غير منقوصًا، ترفض النقابة أي تجميد أو تعليق للإضراب في أي مدرسة في الأردن خصوصًا بعد مقترحات طرح العلاوة للمعلمين المميزين فقط، ويرى غالبية من المواطنين أن علاوة المعلمين هو المكان الصحيح للضرائب التي يدفعونها للحكومة التي لا يضمنون تميز أداء أفرادها.
في هذا الإضراب، مر المعلم بتجارب لا تليق به كإنسان في الوطن قبل أن يكون مربي أجيال، وبعيدًا عن المشاعر العاطفية والأوصاف الوردية، نيل المعلم لعلاوته هو حق مشروع وليس منّه وهذا أقل ما يمكن تقديمه له لتعويضه عن التأخير والتقصير بحقه آملين في تهيئة كل الظروف التي تساعده على الاستمرار في تقديم رسالته النبيله المقدسة لأبنائنا , فهذا النشئ الذي ان علمه من هو أهل للتعليم استطاع ان يحمل راية التقدم والعلم ويصنع المستقبل الذي نحلم به جميعاً.




