السلايد شو مقالات

عن صبر أم إبراهيم وزغرودتها وابتسامتها


كتب عصام السعدي يقول:

  من شاهد رد فعل أم إبراهيم على استشهاد ابنها، وهي تودعه بالزغاريد وتحمل جثمانه الطاهر بابتسامة رضى وتحدٍّ، أصيب بالذهول أو بالفخر أو بكليهما.

ولا شكّ أن موقف أم إبراهيم مخالف لما فُطرت عليه الأمهات عند فقدان أبنائهن. ولعل هذا ما دعا كثيرين إلى القول بأن أم إبراهيم كانت ذاهلة وتعاني من صدمة الفقد ولا تدري ما الذي تفعل وتقول.
والواقع أننا رأينا كثيرا من الأمهات اللواتي زغردن عند تشييع أولادهن الشهداء وهُنّ ذاهلات أو وهنّ يتجمّلنَ بالصبر. لكن زغرودة أم إبراهيم كانت مختلفة، فأم إبراهيم قبل زغرودتها ألقت كلمة تنُمّ عن حبّ شديد لابنها وتضع استشهاده في إطار إيمان ويقين وثقة بالله وقناعة راسخة بأن تحرير البلاد لا بدّ له من تضحيات بفلذات الأكباد، وأن مسيرة التحرير لأي مُقاوم للاحتلال تنتهي بالنصر أو الشهادة. هذا كلام لا يخرج من ذاهل. هذا كلام الرضى والتسليم بأمر الله والمعرفة بطبيعة العدو ومآلات المُقاوم له.
وقد قرأت بعضا من تعليقات أنكرت على أم إبراهيم ما فعلت وكادت تتهمها بنقص الأمومة. فوقع المنكرون بخطأ عدم التفريق بين حزن الأم الذي يعتمل في صدرها ولا شك، وبين صبرها العظيم وفهمها العميق لمعنى الشهادة والمقاومة.
إننا نقول عن أحد ما إنه صبور ليس لأنه لا يتألم عند امتحانه، بل لأنه لا يتشكّى من المحنة التي يمر بها. ونقول عن أحد ما إنه شجاع ليس لأنه لا يخاف، بل لأنه يتجلّد ويقاوم خوفه. فالصبور يتألم والشجاع يخاف لكنهما يواجهان الألم والخوف بالصبر والشجاعة. وهذا ما فعلته أم ابراهيم لحظة سماعها باستشهاد ابنها، وعند تشييعه بعد ساعات، وفي المقابلات التي أجريت معها بعد التشييع بساعات وظلّت رابطة الجأش مبتسمة راضية طوال يوم استشهاد إبراهيم. هذا ليس ذهولا ولا غياب عن الواقع ولا صدمة ولا نقص أمومة، هذا حبّ وثقة بالله ومعرفة أكيدة بطبيعة المعركة مع الاحتلال وحضور أكيد لعقل واعٍ وقلب ربط الله عليه بالصبر. وربما كان من المفيد هنا التذكير بموقف أم نضال فرحات الملقبة بخنساء فلسطين والتي قدمت أربعة شهداء من أبنائها بصبر ورضى واعتزاز، وقدر رأيناها وهي تودع ابنها محمد في فيديو مصور، وترسله -راضية- في عملية اقتحام لمستعمرة صهيونية وتحضّه على الإقدام، فيعود إليها شهيدا.
إنني أصدق صبر وشجاعة ورضى واعتزاز أم إبراهيم النابلسي وأم نضال فرحات، وأعلم أنهنّ كنّ محبّاتٍ لأبنائهنّ، حزينات على الفقد، وأعلم أنهنّ أمهات عظيمات، وأن ما فعلنه كان لفرط أمومتهنّ لا لنقصها… إنهنّ ببساطة يؤمِنّ بالمقاومة ويعرفنَ ثمنها ويرضينَ بدفع هذا الثمن مهما كان باهظا. فيزغردنَ ويبتسمنَ ويكملنَ رسالة أبنائهنّ الشهداء. يحوّلنَ لحظة الهشاشة إلى لحظة مقاومة.. فيباغتن قاتلي أبناهنّ ويصبحنَ سببا إضافيا لقلق الاحتلال وحيرته.
إنه حضور العقل وثبات القلب.
” فإما حياةٌ تسرُّ الصديق… وإما مماتٌ يغيظُ العِدا”

انشر على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *