السلايد شو الشرق الأوسط مقالات

الاعتراف بدولة فلسطين: بين رد الفعل الدولي وذريعة الضم الإسرائيلي، قراءة في سياق “سحب الذرائع

كتب رفاعي عنكوش

في سياق متسارع من التصعيد الإسرائيلي على الأرض، وتآكل فعلي لحل الدولتين، جاء اعتراف بعض الدول الغربية مثل بريطانيا وكندا وفرنسا وأستراليا بدولة فلسطين، ليس نتيجة لتطور طبيعي نحو إنهاء الاحتلال، بل كرد فعل متأخر على السياسات الإسرائيلية الأحادية التي تهدد ما تبقى من مشروع “حل الدولتين”.

غير أن هذا الاعتراف، رغم ما يفترض أنه دعم للحقوق الوطنية الفلسطينية، يطرح إشكاليات جوهرية عند النظر إليه من زاوية نظرية “سحب الذرائع”الذي يخلق رد فعل بضم الضفة الغربية للإحتلال الإسرائيلي بحسب التهديدات الإسرائيلية بوجه هذا القرار.

إذ لم يأت الاعتراف في إطار اعتراف حقيقي بالسيادة الفلسطينية الكاملة، بل جاء مشروطاً ومحملاً بضغوط سياسية تتضمن مطالب بإصلاحات داخلية مؤجلة، تتقاطع وإن لم تتطابق مع المصالح الأمنية والسياسية للاحتلال الإسرائيلي، وتشكل تدخلاً مباشراً في الشأن الفلسطيني الداخلي، رغم ترويج تلك الدول لمفاهيم السيادة والاستقلال.

السياق الأوسع لهذا الاعتراف يرتبط بما عُرف بـ “نداء نيويورك”، وهو مبادرة سياسية أُطلقت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قادتها فرنسا بالشراكة مع السعودية، وشاركت فيها دول مثل كندا وأستراليا وبريطانيا. وقد تم الترويج لها كمبادرة دولية تهدف إلى “إنقاذ حل الدولتين” من الانهيار.

إلا أن المبادرة لم تكن إعلاناً لاعتراف غير مشروط بدولة فلسطين، بل جاءت ضمن رزمة سياسية مشروطة، تشمل إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني، وتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل، إضافة إلى مطالب غربية تتعلق بـ “الإصلاح الداخلي” و”ضبط السلاح”، ما يجعل الاعتراف في حقيقته مشروطاً بإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني وفق رؤية غربية لا فلسطينية.

في هذا السياق، يبدو الاعتراف وكأنه أداة لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني بما يتماشى مع المقاييس الدولية، أكثر من كونه خطوة لإنهاء الاحتلال. ومن منظور آخر، فإن هذا الاعتراف، كما قدم في هذا التوقيت وبدون إجراءات ملزمة لإسرائيل، قد يتحول إلى أداة عكسية، وفرصة يستخدمها الاحتلال كذريعة لتبرير خطواته المقبلة، وفي مقدمتها ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها.

فكما استخدمت إسرائيل في السابق ذريعة “غياب الشريك الفلسطيني” لتبرير التوسع الاستيطاني، فإنها اليوم قد تدّعي أن الاعتراف بدولة فلسطين أسقط صفة “الأراضي المحتلة”، أو أعفاها من التزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال، مما يتيح لها اتخاذ خطوات أحادية مثل الضم، تحت مبررات “إعادة تنظيم الوضع القانوني”.

يمكن اعتبار هذا الاعتراف الدولي بصيغته الحالية إما طعماً سياسياً يُستخدم لاستدراج الفلسطينيين إلى مسار يفقدهم أوراق القوة القانونية والسياسية، أو فرصة للاحتلال لتحويل الاعتراف إلى رد فعل مقابل، يتمثل في إعلان السيادة الإسرائيلية على الأرض.

وهذا يشكل خطراً استراتيجياً لا يقل عن خطر استمرار الاحتلال، لأنه قد يُستخدم لشرعنة الضم والتوسع تحت غطاء جديد.

إن نظرية “سحب الذرائع”، والتي لطالما استخدمتها السلطة الفلسطينية لتبرير بعض خياراتها السياسية، تقتضي أن تُبنى القرارات المصيرية وفق رؤية استراتيجية تأخذ في الحسبان ردود فعل الاحتلال وإمكانيات توظيف كل خطوة فلسطينية بشكل مضاد.

أما الاعتراف بدولة فلسطين بهذه الصيغة، وفي هذا التوقيت، وبدون ضمانات قانونية وأدوات حماية دولية، فإنه يفتح الباب أمام إسرائيل للقول إن الوضع “تغير قانونياً”، وبالتالي تبرير ضم ما تبقى من الأرض، في خرق واضح للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.

انشر على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *